في بيان سنية قول المؤذن في آخر أذانه في الليلة الباردة : ومن قعد فلا حرج
من السنن النبوية الشريفة المنسية التي كان يعمل بها مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر منه، في آخر أذانه ،في وقت الحرج والشدة ، وهجرها المؤذنون كليا، قول المؤذن في آخر أذانه في الليلة الباردة شديدة البرودة : ومن قعد فلا حرج . وفيما يلي بيان ذلك:
عن نعيم بن عبدالله النحام رضي الله عنه، قال : نودي بالصبح في يوم بارد ، وهو في مرط امرأته ، فقال : ليت المنادي ينادي : ومن قعد فلا حرج ،فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه : ومن قعد فلا حرج ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، في آخر أذانه.
وفي لفظ للبيهقي فلما قال: الصلاة خير من النوم قال : ومن قعد فلا حرج.
[ رواه أحمدفي المسند 17933 والبيهقي في السنن الكبرى 398/1 برقم1942 واللفظ له وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 759 ]
قال الحافظ ابن حجرفي فتح الباري : 117/2 : إسناده صحيح.
وقال القسطلاني في إرشاد الساري 5/6 : إسناده صحيح.
وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 815/6 : إسناده صحيح.
قلت: إن شريعة الإسلام شريعة سمحة ميسرة ، ومن مظاهر ذلك: أنه مع أهمية صلاة الجماعة في المسجد، راعت الشريعة ظروف الناس في بعض الأوقات الحرجة التي يكون الذهاب فيها إلى المسجد صعبا ، كوجود ريح ، أو مطر ،أو خوف ، أو غير ذلك.
قوله : ومن قعد فلا حرج ولعل هذا النداء كان معروفا عند الصحابة رضي الله عنهم، أو سبق من النبي صلى الله عليه وسلم بيان تلك الرخصة لأصحابه ، فقال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه : ومن قعد فلا حرج
والمعنى أن من قعد في بيته فصلى فيه الصلاة على وقتها فلا إثم عليه ، وهذه رخصة للصلاة في البيوت في وقت الحرج والشدة ، وفي أوقات الخوف ، مثل الخوف من الهلاك بسبب الوباء وغيره ، وهذا تيسيرالشرع على الناس ورفعه للحرج في وقت الاضطرار.
قال العلامة المحدث الألباني رحمه الله: فائدة : في هذا الحديث سنة هامة مهجورة من كافة المؤذنين – مع الأسف – وهي من الأمثلة التي يتضح بها معنى قوله تبارك وتعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج} [ الحج ، الآية : 78] ألا وهي قوله عقب الأذان: ومن قعد فلا حرج فهو تخصيص لعموم قوله في الأذان ( حي على الصلاة) المقتضي لوحوب إجابته عمليا بالذهاب إلى المسجد والصلاة مع جماعة المسلمين، إلا في البرد الشديد ونحوه من الأعذار.
ويؤيد هذا المعنى الوارد في الحديث المذكور ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا…” الحديث
[ البخاري 39 واللفظ له والنسائي 5034 بلفظ …. وأبشروا ويسروا …]
فدل الحديث على أن دين الإسلام دين اليسر ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ملازمة الرفق في الأعمال ، والاقتصار على ما يطيقه العامل ويمكنه المداومة عليه ، وأن من شاد الدين وتعمق ، انقطع وغلبه الدين وقهره. وقوله : “إن الدين يسر” أي : أنه ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه ، وفي أفعاله وتروكه. والله أعلم.
اللهم اجعلنا من العاملين بسنن رسولك المصطفى وحبيبك المجتبى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والعاضين عليها بالنواجذ. إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. آمين يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرره العبد الفقير إلى عفو ربه المولى القدير عبدالحليم بن محمد بلال أبومصعب، بالرياض
الجمعة ، الرابع والعشرون من جمادى الأولى، 1445ھ