﷽
أعمال يسيرة توجب مغفرة الذنوب، ومحبة القلوب، ودخول جنات الودود.
لقد حث الإسلام على التخلق بالأخلاق الحسنة، والتحلي بالأعمال الفاضلة، ورفع شأنها، وبين أهميتها ومكانتها العظمى، كما بين أنها طريق موصل إلى الجنة:
روى الطبراني وابن حبان وغيرهما عن أبي شريح هانئ بن يزيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ مِنْ مُوْجِبَاتِ الْمَغْفِرَۃِ: بَذْلَ السَّلَامِ وَحُسْنَ الْکَلَام.”
[الطبراني في الكبير 180/22برقم 469 وابن حبان في صحيحه 490 وأبو نعيم في تاريخ أصفهان250/1. قال الألباني في السلسلةالصحيحة 1035: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وقال في صحيح الجامع 2232 وصحيح الترغيب 2699: صحيح]
ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن للمغفرة موجبات، وهي الأسباب والأعمال التي تستر ذنوب صاحبها، ويغفر الله له بها، ومن تلك الأعمال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم:
1-بذل السلام، وهو إظهاره وتعميمه ونشره، والإكثار منه بين أهل الإسلام، وهو طريق موصل للمحبة بين المسلمين، وسبب لدخول الجنة، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لاتدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيئ إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم. “[مسلم 54]
أي لايكتمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان حتى يحب بعضكم بعضا، ثم بين أفضل وأكمل الخصال المساعدة على هذا النوع من التحاب في المجتمع المسلم، وهي: إفشاء السلام بين المسلمين بإظهاره والعمل به.
والسلام هو التحية المباركة التي شرعها الله لعباده، كما قال تعالى:{فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} النور 61 ، فلا يمر مسلم على مسلم إلا ألقى عليه السلام، فالله جعل إفشاء السلام سببا للمحبة، والمحبة سببا لكمال الإيمان، والإيمان سببا لدخول الجنة.
و محبة الإخوان في الله من محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتجعل المتحابين من الذين يستظلون بظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله، وبها يستشعر المرء حلاوة الإيمان.
2- وحسن الكلام، وهو طيبه ولينه، لأنهما من حسن الخلق والرفق مع الآخرين، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} البقرة 83، وقيل: حسن الكلام أن يزين الإنسان ما يتكلم به قبل النطق بميزان العقل، ولا يتكلم إلا بما تدعو الحاجة إليه، وإذا كان الأمر في الكلام فمن الأولى أن يكون أيضا في الأفعال، ولذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “…والكلمة الطيبة صدقة…” [أخرجه البخاري 2989 ومسلم 1009 عن أبي هريرة رضي الله عنه] لأنها تشرح صدر صاحبها، وتريح فؤاده، وتبعث الطمأنينة والراحة للإنسان، لا سيما في أوقات الكرب، فتجعله يحسن الظن بربه.
هذا وقد روى الترمذي وغيره في حسن البيان وطيب الكلام عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة غرفا لمن أطاب الكلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام.”
[الترمذي 2527 وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1338 باختلاف يسير. قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح]
وفي لفظ:” إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها” قال أبو مالك الاشعري رضي الله عنه: لمن هي يا رسول الله؟ قال: “هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام”
[أخرجه أحمدفي المسند 6615 والطبراني في الكبير 14687 والحاكم في المستدرك 1200، واللفظ له. قال الألباني في صحيح الترغيب 946، 3717: حسن صحيح]
قوله صلى الله عليه وسلم: يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها: أي: أنها غرف شفافة يرى من بداخلها من خارجها، ويرى من خارجها من بداخلها، كأن تكون من زجاج أو ألماس أو در وياقوت، ولا يعلم حقيقتها إلا الله.
قول أبي مالك الاشعري رضي الله عنه: لمن هي يا رسول الله! أي: لمن تلك الغرف التي يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها؟ والتقدير: ما هي الأعمال التي إذا أتى بها صاحبها في الدنيا ظفر وفاز بها في الآخرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: لمن أطاب الكلام: أي: من تكلم بطيب الكلام، وترك قبيحه وشره، وهذه كناية عن حسن الخلق.
اللهم زينا بزينة الإيمان، ووفقنا لطيب الكلام وحسن البيان، و اجعلنا ممن يفشي السلام فيظفر بالفردوس الأعلى من الجنان، يا ودود يا رحمن.
حرره العبد الفقير إلى عفو ربه المولى القدير عبدالحليم بن محمد بلال أبومصعب، بالرياض.
الجمعة، التاسع، من جمادى الأولى، لعام 1447ھ




