ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول لله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلقد كثرت الردود والمناقشات العلمية في الآونة الأخيرة، وتصدّى بعض المنتسبين إلى العلم وأهله للردّ على غيره فيما يراه قد جانب فيه الصواب، ولا ضير في ذلك؛ فما زال أهل العلم يردّ بعضُهم على بعض، ويبين بعضُهم أخطاء بعض؛ بقصد النصح للمردود عليه، وتنبيه الناس على ما وقع فيه من خطأ وزلل؛ ليكونوا على بينة من خطئه وغلطه؛ فيهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيي عن بينة.
ولكن الذي يَحُزّ في النفس، ويبعث على القلق: ما نراه من ظاهرة التتبّع للعورات، والتصيُّد للزَّلات، والتنقيب عن الهفوات والعثرات، والنفخ في الْهِنات الْهَيِّنات، والتشهير بها عبر الصفحات والمجموعات، والجرائد والمجلات، مقرونًا ذلك بألفاظٍ سوقيةٍ نابيةٍ، وعباراتٍ سمجةٍ ممجوجةٍ، تنمّ عن نوايا سيئةٍ، وأخلاقياتٍ رذيلةٍ.
ثم أعجبُ ما في الأمر أن يدّعي أمثال هؤلاء الناقدين -وبكل سذاجة-: أنهم يرُومُون بذلك تصحيحَ الخطأ، وتقريرَ الصواب، وإصلاحَ الخلل، وإزاحةَ العِلَل، إلى آخر ما هنالك من الدعاوي الفارغة التي لا تمت إلى الحقيقة بأية صلة.
ويا ليت شعري كيف يكون تبادلُ التُّهَم الشنيعة، والخروجُ عن أخلاقيات الحوار الرفيعة، والتراشقُ بالشتائم الْمُقْذِعة طريقًا للإصلاح؟ إنّ هذا -في نظري- لشيء عُجاب، والله أعلم بالصواب. وينطبق على هذا الصنيع المثلُ الشعريّ المشهور:

أوردها سعدٌ وسعدٌ مُشتمِلْ …. ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل

ولا يخفى على عاقل ما يترتّب على تلك التصرّفات السيئة؛ من: تفاقم الشرور، وإيغار الصدور، واستمرار النِّزاع، وتمزُّق الصفّ، واتساع الْخَرْق، وضياع الكفاءات، وتبعثُر الجهود، واستحكام القسوة في القلوب، والجفوة في الطباع، وغير ذلك من المفاسد العظيمة والعواقب الوخيمة التي قد لا تُحصى كثرةً.
فما أحوج من ينبري للردّ والنقد إلى إخلاص القصد، والبعد عن الانتصار للنفس، والتحلّي بمحاسن الشِّيم، وآداب الحوار البناء؛ ليكون جهدُه مثمرًا، وسعيُه مشكورًا، وعلمُه نافعًا، وذكرُه حميدًا، واللهُ الموفق، وهو وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وسلّم تسليمًا كثيرًا.

كتبه: جميل أحمد ضمير السنابلي. (18 /2 /43 هـ)