متى يهوي المأموم للسجود، وما عقوبة سبق الإمام بالركوع والسجود والقيام والانصراف؟
لصلاة الجماعة ضوابط وقواعد ينبغي مراعاتها وتعلمها، من أهم هذه الضوابط الاقتداء التام بالإمام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنما جعل الإمام ليؤتم به” الحديث [ رواه البخاري 868 ،689 ،722 ،734 ،1113، 1236 ومسلم 411 ، 412، 414 وغيرهما عن أبي هريرة وعائشة وأنس رضي الله عنهم]
وقد طبق الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر ، كما سيوضحه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع وقال : سمع الله لمن حمده ، وانتصب أصحابه -رضي الله عنهم – خلفه من ركوعهم، ظلوا قياما على حالهم ، ولم يحن أحد منهم ظهره ، ولم يبادر إلى السجود حتى يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يضع جبهته على الأرض ، ثم يسجدوا من ورائه ، وإليكم الأحاديث الدالة على ذلك:
1- عن عبدالله بن يزيد الخطمي قال: حدثني البراء( بن عازب) رضي الله عنه – وهو غير كذوب – قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: *سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره ، حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا ، ثم نقع سجودا بعده [ البخاري، باب: متى يسجد من خلف الإمام؟برقم 690 ، وكذا برقم 747 ، 811 ومسلم ،باب متابعة الإمام والعمل بعده 474 وأبوداود 620، 621 والترمذي 281 والنسائي 830]
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله بعد ذكره للحديث: وبه يقول أهل العلم : إن من خلف الإمام إنما يتبعون الإمام فيما يصنع ، ولايركعون إلا بعد ركوعه، ولايرفعون إلا بعد رفعه ، ولا نعلم بينهم في ذلك اختلافا.[جامع الترمذي ص 76 طبع مكتبة دار السلام بالرياض ]
2- عن عبدالله بن يزيد الخطمي يقول على المنبر: حدثني البراء (بن عازب) رضي الله عنه : أنهم (الصحابة رضي الله عنهم) كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا ركع ركعوا ،وإذا رفع رأسه من الركوع، فقال : سمع الله لمن حمده ، لم نزل قياما حتى نراه قد وضع وجهه في الأرض ، ثم نتبعه . وفي رواية أبي داود: ثم يتبعونه صلى الله عليه وسلم.
[ رواه مسلم 474 واللفظ له وأبوداود 622 وغيرهما]
قلت: ومعنى ( … قد وضع وجهه في الأرض) أي : حتى يستتم ساجدا كما في حديث عمرو بن حريث رضي الله عنه: ( …وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجدا) [ رواه مسلم 475] ويتمكن من السجود كما في حديث انس رضي الله عنه: ( حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود) [رواه أبو يعلى ،انظر مجمع الزوائد 80/2 ، وقال الهيثمي: فيه رجل لم يسم]
وأما سبق الإمام بالركوع والسجود والانصراف فمحرم ، كما يدل عليه الحديث الآتي:
3- عن أنس رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما قضى الصلاة ، أقبل علينا بوجهه ، فقال :” يا أيها الناس ! إني إمامكم ،فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ،ولابالقيام ولا بالانصراف …” الحديث
[ رواه مسلم، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما برقم 426 والنسائي برقم 1364]
دل الحديث على أن متابعة الإمام في الصلاة لازمة ، وقدحث النبي صلى الله عليه وسلم على متابعة الإمام في كل أحواله وحركاته و هيئاته ، ونهى عن سبق الإمام في الصلاة.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:” فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف” أي :لايكون ركوعكم قبل ركوع الإمام ، ولاسجودكم قبل سجود الإمام ، وهكذا في باقي أحوال الصلاة. [ الدرر السنية]
وأما عقوبة من رفع رأسه قبل الإمام فهي مذكورة في الحديث الآتي:
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أما يخشى أحدكم ( أو) لا يخشى أحدكم، إذا رفع رأسه قبل الإمام، ان يجعل الله رأسه رأس حمار ، أو يجعل الله صورته صورة حمار.”
[ رواه البخاري 691 واللفظ له ومسلم 427 وأبوداود 623 ولفظه :” …إذا رفع رأسه والإمام ساجد…]
والاستفهام في قوله صلى الله عليه وسلم:” أما يخشى أحدكم..” للتوبيخ والإنكار.
وفي الحديث تحذير شديد من عدم متابعة الإمام وسبقه في أفعال الصلاة ، وفيه الوعيد الشديد لمن رفع رأسه قبل الإمام
قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – مبينا عقوبة من سكت عمن أساء في صلاته وسبق الإمام فيها : واعلموا لو أن رجلا أحسن الصلاة فأتمها وأحكمها ، ثم نظر إلى من أساء في صلاته وضيعها ،وسبق الإمام فيها، فسكت عنه ولم يعلمه في إساءته في صلاته ومسابقته الإمام فيها ، ولم ينهه عن ذلك ولم ينصحه ، شاركه في وزرها وعارها ، فالمحسن في صلاته شريك المسيئ في إساءته ، إذا لم ينهه ولم ينصحه.[ طبقات الحنابلة 352/1 ]
اللهم اجعلنا من العاملين بسنن رسولك المصطفى وحبيبك المجتبى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمتمسكين بها على الوجه الذي يرضيك عنا ، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
حرره العبدالفقير إلى عفو ربه المولى القدير عبدالحليم بن محمد بلال أبومصعب، بالرياض.
الثلاثاء، التاسع من ربيع الآخر، 1445ھ