طويل العمر من خيار الناس إذا صلح عمله وحسن خلقه

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وقد أمر بحسن الخلق، وبين أن صاحب الخلق الحسن له فضل كبير وأجرعظيم.

1- روى الأئمة أحمد وابن حبان والبيهقي وغيرهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟” قَالُوا: بَلَى، قَالَ: “خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا”
[ أحمد 9235 مطولا، واللفظ له وابن حبان 484 مطولا باختلاف يسير والبيهقي 6766 مطولا بلفظ:”…….وأحسنكم أعمالا” وكذا ابن أبي شيبة 35563 والحاكم 1255 والبزار 8559 وعبد بن حميد 1084]
قال الألباني في صحيح الجامع 3262- 3263: صحيح.
وقال أحمد شاكر في تخريج أحاديث المسند 199/12: إسناده صحيح.
وقال الأرنؤوط في تخريج أحاديث المسند 427/22: إسناده حسن.
قوله: “خياركم أطولكم أعمارا” ويراد به: من يطول عمره ويحسن عمله، فأفضل الناس من يستفيد بطول عمره في الزيادة من حسناته، وبحسن عمله من الطاعات، واتباع أوامر الله وأوامر رسوله رسول رب البريات، وهذا يدل على سعادة الدارين والفوز بالحسنيين.
قوله: ” وأحسنكم أخلاقا” أي: أفضلكم وأجملكم هم أصحاب الخلق الحسن، الجامعون للأخلاق الحميدة والجميلة بأنواعها، التي ترغب فيها القلوب الطيبة وتحترمها النفوس السوية الزكية.
ويحتمل أن يكون حسن الخلق عطفا على طول العمل، فيكون المعنى المدح لمن طال عمره، ويصاحبه في ذلك صاحب الخلق الحسن.
والأخلاق إما أن تكون جبلية فطرية، وإما أن تكتسب، وأفضل الوسائل التي يكتسب بها الإنسان الأخلاق الحسنة، عمله بما في كتاب الله عزوجل، وبما في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، و اتخاذ القدوة الحسنة، و مصاحبة الأخيار، مع التعود والتكلف عليها حتى تكون عادة، ويتحقق له به أكبر قدر من الأخلاق الحسنة.
2- ويؤيد الحديث المذكور ما رواه الترمذي وأحمد والدارمي وغيرهم عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله.”
[الترمذي 2330 وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد 20415 والدارمي 278 ]
قال الألباني في صحيح الترغيب 3363: صحيح لغيره.
وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج أحاديث المسند 20481: حسن.

حسن العمل مع طول العمر من الأمور التي يغبط عليها صاحبها، بعكس سوء العمل، فهو مما يستعاذ منه.
قوله: “شر الناس من طال عمره وساء عمله. “أي: أسوأ الناس من طال عمره وعمل من الأعمال: السيئات والمعاصي والذنوب، لأنه يخسر ويغبن من زيادة عمره، بعكس الأول، فكلما زاد عمره زادت سيئاته وكثرت ذنوبه، وهذا يدل على التعاسة في الدارين.
هذا وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة خير الناس وشر الناس، ممن يتصفون بصفات مختلفة، وكذلك ذكر خير الأعمال وشرها، ولكنه في كل حديث يجيب بما يراعي حال السائل، أو يعلم به أمته من أحوال متعددة يمكن أن يوصف فيها المرء بالخير فيزيد فيها، أو يوصف فيها بالشر فيحذر منها.
وفي الحديث الحث على التزود من الطاعات كلما زاد العمر، وفيه أن الزيادة في عمر المحسن علامة خير، والزيادة في عمر المسيئ علامة شر.
3- روى البخاري عن سعد بن عبيد مولى عبدالرحمن بن أزهر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لايتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فعله يزداد، وإمامسيئا فلعله يستعتب.”
[البخاري 7235]
كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لن يدخل أحدا عمله الجنة ” قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: “ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب.”
[البخاري 5673 ومسلم 2816]
وكذا روى مسلم وغيره بلفظ:
“لايتمنى أحدكم الموت، ولايدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لايزيد المؤمن عمره إلا خيرا”
[مسلم 2220 واللفظ له والنسائي 1819 بنحوه]
إن أمر العبد المسلم المؤمن كله خير، فإنه يجعل الدنيا بلاغا إلى الآخرة، ويعمل فيها ويزرع، ليحصد ويزداد ثوابا عند مولاه سبحانه وتعالى.
وإذا كانت الحياة كذلك مع الإيمان فإن تمني الموت لايأتي بشيء، لأن كل شيء بمقدور الله تعالى.
قوله: “لايتمنى أحدكم الموت ولا يدع به” أي: لايتمناه في قلبه، ولايسأله ولايطلبه بلسانه في دعائه، بسبب ضر وبلاء أصابه.
قوله: “من قبل أن يأتيه” وذلك لأنه إذا مات العبد توقف عنه عمله في الدنيا، فلا زيادة في العمل، فإن كان محسنا فله إحسانه، وإن كان مسيئا فلعله في طول حياته أن يتوب إلى الله وينيب إليه، ويرد المظالم، ويتدارك الفائت، كما في الحديث: “وإما مسيئا فلعله أن يستعتب”
وإن المؤمن يزداد بطول حياته خيرا من الطاعات وأعمال البر والإيمان والإحسان، وعلى هذا فلاينبغي للمؤمن المتزود للآخرة، والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح، أن يتمنى ما يمنعه من البر والإحسان والسلوك في طريق الله وطريق الآخرة، وفي صحيح مسلم:”اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنيا التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها (فيها) معادي،واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر “[مسلم 2720. هذا حديث جامع لأنواع الخير كلها، يشتمل على دعاء شامل لمتطلبات الدنيا والآخرة] فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له الحياة زيادة في كل خير، لأن من زاده الله خيرا في حياته كانت حياته صلاحا وفلاحا وبرا، كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل له الموت راحة من كل شر، لأنه إذا كان الموت دافعا للشرور وقاطعا لها، ففيه الخير الكثير للعبد المؤمن، نسأل الله عز وجل أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم أطل أعمارنا على طاعتك ،واجعلنا ممن طال عمره وصلح عمله وحسن خلقه.
واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آمين يا رب العلمين.

حرره العبد الفقير إلى عفو ربه المولى القدير عبدالحليم بن محمد بلال أبومصعب، بالرياض.
الثلاثاء، الرابع والعشرون، ربيع الآخر، 1447ھ