من كان عنده أكثر من أضحية فليتصدق بها على أحد من المحتاجين

كان النبي صلى الله عليه وسلم سخيا معطاء، بل كان أحسن الناس خلقا، وأكثرهم جودا وكرما، يجود بما أفاء الله عليه، ويكرم ويعطي الفقراء والمحتاجين، ولنا فيه أسوة حسنة، كما قال الله تعالى:{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة … } [الأحزاب آية: 21]
1- روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه ضحايا، فبقي عتود، فذكره لرسول الله صلی الله عليه وسلم فقال:” ضح به أنت”

[ البخاري2300، 2500،5547،5555 ومسلم 1965 وأبو داود 2798 بلفظ: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا، فأعطاني عتودا جذعا. قال: فرجعت إليه قلت له: إنه جذع، قال:” ضح به” فضحيت به، والترمذي معلقا بعد حديث 1500 والنسائي 4380، 4392 وابن ماجه 2559 وأحمد 17424]

قوله: يقسمها على أصحابه ضحايا، قال ابن المنير: يحتمل أن يكون المراد أنه أطلق عليها ضحايا باعتبار ما يؤول اليه الأمر، ويحتمل أن يكون عينها للأضحية، ثم قسمها بينهم ليحوز كل واحد نصيبه….[فتح الباري 5/10]

قوله: عتود، بفتح العين، صغير ولد المعز، وهو في سن الجذع، كما ورد التصريح بذلك في رواية مسلم وأبي داود وغيرهما. وفي النهاية: العتود بفتح العين المهملة: الصغير من أولاد المعز، إذا قوي وأتى عليه حول، وعلى هذا تضحيته به موافق لمذهب الحنفية، كذا في المرقاة، ولكن زاد البيهقي في روايته بهذا الحديث ” ولا رخصة لأحد فيها بعدك” وهي تشعر أنه لم يبلغ درجة الإجزاء، وأنه يختص بعقبة رضي الله عنه، والله أعلم. [ الكوكب الوهاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للعلامة محمد الأمين بن عبدالله الأرمي العلوي الهرري418/20]

ويحتمل أن تكون الضحايا من مال النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن تكون من الغنيمة، ومال القرطبي إلي الثاني[ المصدر السابق]

وفي هذا الحديث يحكي الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب مجموعة من غنم الأضحية لفقراء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وأمر عقبة بن عامر رضي الله عنه أن يتولى قسمتها عليهم، فقبل هذه الوكالة،وقسم هذه الأغنام عليهم، فبقي منها عتود فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأعطاه لعقبة بن عامر ليضحي به، …. وهذه رخصة لعقبة بن عامر رضي الله عنه أن يضحي بالعتود من المعز، كما رخص لأبي بردة بن نيار رضي الله عنه في التضحية بجذع، وليس فيه رخصة لغيرهما.

وكان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لحرصهم على الطاعات وما يقرب من رضا الله تعالى، كثيرا ما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال وأجل الطاعات وأكثرها قربة إلى الله تعالى، فكانت إجابات النبي صلى الله عليه وسلم تختلف باختلاف أشخاصهم وأحوالهم، وما هو أكثر نفعا لكل واحد منهم:

2- روى الطبراني وأبو الشيخ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا…”
[ أخرجه الطبراني في الكبير 13646 والأوسط 6026 وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه 97. قال الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 176: حسن، وقال في صحيح الترغيب 955، 2622، 2623 : حسن لغيره]

3- روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” المؤمن يألف ويؤلف، ولاخير فيمن لايألف ولايؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس.”
[ أحمد 9187 والبزار 8919 والحاكم 59 مختصرا والطبراني في الأوسط 5787 مطولا والبيهقي في شعب الإيمان 7658 باختلاف يسير. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 426 وصحيح الجامع 6662: إسناده حسن]

أيها المستطيع الفاضل! اجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوتك، واستن بسنته، و تأس بسيرته في منافع العباد، واحرص على أن يجعلك الله ممن تقضى حوائج الناس على أيديهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد” [ أخرجه الطبراني في الكبير 13925 والبيهقي في شعب الإيمان 7662 وغيرهما. وقال الألباني في صحيح الجامع 2164: حسن، وقال في السلسلةالصحيحة 1692: حسن لشواهده]

أيها المبارك انتهز العشر المباركة، ولايمر عليك ساعة إلا ولك فيها عمل صالح، إما في عبادة خاصة، كصلاة وقراءة قرآن وذكر وغير ذلك، وإما في عبادة عامة، كبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الناس، وإعانة الفقراء والمحتاجين، وتفضل بإعطاء ما فضل وزاد عن الأضحية الواحدة للفقراء والمحتاجين من إخوانك المسلمين.
اللهم اجعلنا من أهل الخير والعطاء، النافعين لعبادك المحتاجين. اللهم آمين يا رب العالمين.

حرره العبد الفقير إلى عفو ربه المولى القدير عبدالحليم بن محمد بلال أبومصعب ، بلاهور .
السبت ،الرابع من شهر ذي الحجة ، لعام1446ھ