من ثمرات اتباع السنة
بعد أن ذكرت نماذج مشرقة من حفاظ السلف الصالح على السنة وحرصهم على العمل بها وتعظيمها في المقال السابق، أتوجه اليوم – بعون من الله وتوفيق من الرحمن – إلى ذكر أنواع من ثمرات الحفاظ على السنة واتباعها، وهي كثيرة:
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فالله كافيه، وهاديه، وناصره، ورازقه .[القاعدة الجليلة 160/1]
وقال تلميذه الرشيد الإمام ابن القيم رحمه الله: فمن صحب الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله فهو الصادق المصيب.[مدارج السالكين 467/2]
وقبل أن أبدأ بذكر ثمرات اتباع السنة النبوية – على صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليم – أود أن أبين لإخواني الفضلاء أن اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم يشمل اتباع أخلاقه، وتعامله، وأدبه مع ربه عزوجل، ومع سنته، ومع الناس.
وفيما يلي ذكر أنواع من ثمرات اتباع السنة النبوية:
1- الوصول إلى درجة المحبة، فبالتقرب إلى الله سبحانه بالنوافل ينال العبد محبة الله عزوجل.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، وصدقته خبرا، وأطعته أمرا، وأجبته دعوة، وآثرته طوعا، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعن، وارجع من حيث شئت، فالتمس نورا فلست على شيئ. [مدارج السالكين 37/3]
2- إجابة الدعاء المتضمنة لنيل المحبة، فمن تقرب بالنوافل نال المحبة، ومن نال المحبة نال إجابة الدعاء.
3- نيل معية الله تعالى للعبد، فيوفقه تعالى للخير، فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه سبحانه وتعالى، لأنه إذا نال المحبة نال المعية.
ويدل على الثمرات الثلاث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيئ أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته.”[رواه البخاري 6502]
4- جبر النقص الحاصل في الفرائض، فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خلل، كما يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
” إن أول ما يحاسب العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب سبحانه وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على هذا”.
[رواه أبوداود 864 والترمذي 413 واللفظ له وأحمد 9494، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 405/1]
5- البعد والعصمة من الوقوع في البدعة ،لأن العبد كلما كان متبعا لما جاء في السنة كان حريصا على ألا يتعبد بشيء إلا وفي السنة له دليل يتبع ، وبهذا ينجو من طريق البدعة.
6- حياة القلب، فالعبد إذا كان محافظا على السنة كان لما هو أهم منها أحفظ، فيصعب عليه أن يفرط في الواجبات أو يقصر فيها.
كما ينال بذلك فضيلة أخرى، وهي: تعظيم شعائر الله تعالى، قال الله تعالى:{ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [ الحج آية32 ] فيحيى قلبه بطاعة ربه، ومن تهاون بالسنن، عوقب بحرمان الفرائض.
(انظر: المنح العلية في بيان السنن اليومية للشيخ الدكتور عبدالله بن حمود الفريح ص 14 وما بعدها)
أخي المبارك بادر لاغتنام العمر، قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، بالاستكثار من السنن وصالح العمل، لتحمد العاقبة يوم اللقاء، بعظم الجزاء في دار البقاء، لحسن اقتفائك الأثر، باتباع هدي سيد البشر صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا… أوصيك _أخي الفاضل _ في تعاملك مع السنن النبوية الشريفة بوصيتين عظيمتين ذكرهما الإمام النووي – رحمه الله تعالى- وهما:
الوصية الأولى: لا تدع سنة من السنن إلا وقد عملت بها، ولو مرة واحدة:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة، ليكون من أهله ولا ينبغي أن يتركه مطلقا، لحديث: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم “.[رواه البخاري 7288 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: الأذكار للنووي 16/1]
والوصية الثانية: إذا أنعم الله عليك بطاعة ، وكنت من أهلها المواظبين عليها ، وفاتتك يوما ،فحاول أن تأتي بها، إن كانت مما تقضى ، فإن العبد إذا اعتاد على التفويت وتساهل فيه ، ضيع العمل:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في فائدة قضاء الذكر: ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة، أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها، ويأتي بها إذا تمكن منها، ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها. [الأذكار للنووي 23/1]
قلت: وكذلك ينبغي لمن كان له حزب من قراءة القرآن الكريم في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة، أن يتداركه، متى ما تمكن منه، ولا يهمله.
وهذا آخر ما أردت إيراده في هذه السلسلة، سلسلة <سنة نبوية مهجورة> وبه اكتملت الأقساط، والحمد لله رب العالمين على عونه و توفيقه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرره العبدالفقير إلى عفو ربه المولى القدير:
عبدالحليم بن محمد بلال أبومصعب
الخميس: 1444/12/25 ھ