نماذج مشرقة من حرص السلف على العمل بالسنة وتعظيمها

بعد أن ذكرت أمثلة كثيرة في المقال السابق من السنن النبوية الشريفة التي داوم عليها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وهجرها كثير من الناس، أتطرق اليوم بعون من الله وتوفيق من الرحمن إلى ذكر نماذج مشرقة من حفاظ السلف الصالح على السنة وحرصهم على العمل بها وتعظيمها، وهي كثيرة، ولاعجب، فقد كانوا أحرص الناس على الخير، وهكذا من تأثر بهم من بعدهم من القرون المفضلة، وأصبح التأريخ يسطر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسنة نماذج تشجع النفس على الحرص على السنة واقتفائها.
وقبل أن أشرع في ذكر تلك النماذج السلفية القيمة ،أذكر نفسي وإخواني بحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه الطويل الذي فيه” ….فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ…” [رواه أبوداود 4607 واللفظ له والترمذي 2676 وابن ماجه 43-44 وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني رحمه الله]
وحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة قال : ” أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد (صلى الله عليه وسلم) ،وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة”
[رواه مسلم 867 واللفظ له والنسائي1579
وابن ماجه 45]
وفيما يلي ذكر بعض تلك النماذج السلفية السامية:
1- روى مسلم في صحيحه حديث النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس ،قال:حدثني عنبسة بن أبي سفيان ،قال: سمعت أم حبيبة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة ،بني له بهن بيت في الجنة”
قالت أم حبيبة رضي الله عنها : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عنبسة : فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة رضي الله عنها.
وقال عمرو بن أوس : ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة.
وقال النعمان بن سالم : ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
[مسلم 728 ]
2- روى البخاري ومسلم عن ابن أبي ليلى قال:حدثنا علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي ،فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة رضي الله عنها، فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيئ فاطمة إليها ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” على مكانكما” فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ، ثم قال :” ألا أعلمكما خيرا مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعا وثلاثين ، وتسبحاه ثلاثا وثلاثين ، وتحمداه ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم.”
وفي رواية قال علي رضي الله عنه: ماتركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
[رواه البخاري 3705 ،5362 ومسلم 2727 واللفظ لمسلم]
ومعلوم أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة ، ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السنة النبوية المباركة.
3- عن سعيد بن جبير رحمه الله ، أن قريبا لعبدالله بن مغفل رضي الله عنه خذف ، قال : فنهاه ،وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، وقال :” إنها لاتصيد صيدا ، ولا تنكأ عدوا ،ولكنها تكسر السن ، وتفقأ العين” قال : فعاد ،فقال : أحدثك أن رسول الله نهى عنه ، ثم تخذف ، لا أكلمك أبدا.
[ رواه البخاري 5479 ومسلم 1954 واللفظ لمسلم]
والخذف : هو رميك حصاة أو نواة ، تأخذها بين سبابتيك وترمي بها [ النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ص 360]
إلى غير ذلك من النماذج المشرقة الكثيرة التي تدل دلالة واضحة على حرص السلف الشديد على تعظيم السنة والعمل بها.
فهذا إمام أهل السنة والجماعة الإمام الحافظ المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وضع في كتابه (المسند) الذي هو أحد أعظم دواوين السنة النبوية، ما يقارب ثلاثين ألف حديث، وعمل بها كلها، فقال: ما تركت حديثا إلا عملت به.
أسأل الله المولى القدير أن يجعلنا جميعا ممن يتبعون هدي النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، ويقتفون أثره ، كما أسأله سبحانه أن يحشرنا جميعا في زمرته صلى الله عليه وسلم، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حرره العبد الفقير إلى عفو ربه المولى القدير: عبدالحليم محمد بلال أبومصعب

الثلاثاء 1444/12/23ھ